ياسر أبو ريدة يكتب… لا هدنة على جراح الفاشر
الفاشر تحترق، والعالم يتحدث عن «هدنة». أيّ هدنة هذه بعد أن صارت المدينة مقبرةً للصمت والخذلان؟ من يتحدثون عن السلام اليوم غابوا حين كان أهل الفاشر يصرخون طلباً للنجدة، وحين كان الجوع والمرض والرصاص يتقاسمون أرواح الأبرياء.
الهدنة ليست منّةً من أحد، بل استحقاق إنسانيٌ ضاع وسط الحسابات السياسية والمصالح الدولية. أما الذين يستيقظون اليوم ليطالبوا بها بعد أن مات المئات وشُرّد الآلاف، فقد جاؤوا متأخرين جداً.
نحترم كل جهدٍ إنسانيٍ حقيقي، لكننا لا نقبل التواطؤ المقنّع بالحياد. الأمم المتحدة ومنظماتها أصبحت عاجزة عن أداء واجبها، رهينةً لدولٍ لا ترى في السودان سوى ورقة نفوذٍ ومطامع. بينما الناس هناك بلا طعامٍ ولا دواءٍ ولا مأوى.
من يرفع شعار الهدنة اليوم، فليتذكّر أن الموتى لا يأكلون ولا يشربون. فالهدنة بعد الفناء ليست سلاماً، بل غطاءٌ لجريمة، ومقايضةٌ لكرامة وطنٍ لم يُهزم رغم الجراح.
إنّ من يطالبون بوقف النار دون محاسبةٍ عادلة، إنما يريدون إعادة المتمردين إلى المشهد وكأن شيئاً لم يكن. وهذا ما لن يقبله شعب السودان. فـالعدالة أولاً، ثم السلام. لا هدنة تبرئ القتلة أو تمنحهم فرصةً جديدةً لإعادة ترتيب صفوفهم.
الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة، بل رمزٌ لصمود السودانيين جميعاً. هي شاهدٌ على فشل العالم في حماية الأبرياء، وعلى إرادة شعبٍ لا ينكسر.
نقولها بوضوح: لا هدنة قبل القصاص، ولا سلام قبل الإنصاف.
دماء أهل الفاشر لا تُقايَض، والسيادة لا تُسلَّم لمن خان الوطن.
لقد عرف الشعب السوداني طريقه، ولن يعود إلى الوراء.